إذا كنت ممن يتوجه من أي منطقة لبنانية إلى بيروت صباح كلّ يوم، لا بدّ وأنك "سُجنت" مراتٍ ومرات في سيارتك لفترة ليست بقصيرة، وأنت تُشاهد مسلسلًا وصل إلى حلقاته المئوية من دون أن يعرف النهاية. تتكرر المشاهد المملة، لا تزاد تشويقاً بل تمعن في زيادة الألم يومًا بعد يوم. مسلسل زحمة السير التي لا تقتصر أسبابها على الأمطار وعدم احترام القوانين، ورداءة أوضاع الطرق وضيقها وعشوائية الأبنية والمحال وغيرها الكثير، صارت تشكّل عبئًا نفسيًا وجسديًا على المواطن.
صحيح أن الذنب ليس ذنب الدولة دائمًا، وإن كانت مقصرة لا محالة، لكن الحقّ مع المواطن أيضًا، وبغض النظر على من تقع المسؤولية الكبرى، ومِنْ واجب من التحرّك، يبقى المواطن المتأثّر الأول والأخير، إن لم يكن الوحيد. فما يتعرض له المواطنون داخل سياراتهم من دون أي حركة أو قدرة على فعل أي شيء سوى الانتظار، يوصلهم إلى حالة نفسية صعبة ومتوترة، مهما حاولوا نسيان واقعهم سواء بسماع الأخبار أو وضع الـ"Make up"، أو حتى عبر محادثات "Whatsapp"، وغيرها من الطرق اللا متناهية.
ماذا يقول علم النفس؟
تأثير زحمة السير على الإنسان، نسبيّ بامتياز، فقد يختلف بين إنسان وآخر بحسب شخصية كلّ واحد، بالإضافة إلى أن الفترة الزمنية التي يتمّ إمضاؤها في الزحمة قد تُنتج الفارق. فيوضح المعالج النفسي بادي داغر في حديث لـ"لبنان 24"، أن "ما يصيب الإنسان خلال الزحمة هو ضغط متواصل أو ما يُعرف بـ"Continuous Stress"، يؤثر على توازنه النفسي، خصوصًا وأن الزحمة متواصلة، وهو على علم مسبق بأنها ستتكرر يوميًا".
ويشير داغر إلى أن "هذا الإنغلاق في السيارة، يعطي الانسان فكرة إدراكية تؤثر على نظرته وتخيّله للعالم الخارجي، وغالبًا ما تكون عدائية، فترتدّ على أعصابه بشكل سلبي، ما يدفعه بالتالي إلى القيادة بشكل أكثر عنفًا".
ويشدد على أن "الضغط المتواصل لا يكتفي بالتأثير على النواحي النفسية، بل يطال الانسان أيضًا جسديًا، إذ ترتفع نسبة إفرازات بعض الغدد في الجسم خصوصًا تلك المتصلة بالجهاز العصبي".
في السياق ذاته، يُفرّق داغر "بين أهل القرى الذين غالبًا ما يكونون أكثر هدوءًا لأنهم لا يعيشون زحمة السير باستمرار، ولا يكونون "محقونين" ولا حتى في حال تأهب (Alert)، في حين أن أهل المدن يختلفون من حيث ردّات الفعل لأنهم عالقون في الزحمة بشكل دائم".
ويلفت إلى أن "زحمة السير ذاتها، قد تؤثر على الأشخاص بشكل مختلف، ولو كانوا يملكون الشخصية نفسها، فقد يتحمّل الوضع بشكل أفضل وبروّية أكثر من ليس في عجلة، أما من لديه أي التزامات، قد يشعر بالعجز على عدم القدرة على القيام بأي شيء"، مضيفًا إن "لا شيء مؤذي ومضرّ قد يحصل إلّا عندما يكون الإنسان على موعد ما".
ويؤكد داغر "وجود خلفيّات عديدة للتوتر والضغط الناتج عن القيادة، إذ أنه من الممكن أن تختلف نسبة انفعال الأشخاص بين أول الشهر وآخره، أي عندما يكون الشخص مرتاح ماديًا وقد حصل على معاشه الشهري، أو بينما يكون قد انتهى من صرف أمواله، بالرغم من بقاء صفاته هي هي".