يحدث في لبنان أن يتوقف مجلس النواب عن التشريع لفترات طويلة، تتكدس خلالها إقتراحات ومشاريع القوانين في الأدراج. ويحدث أن يستيقظ فجأة المشرع لينتج قوانين تظهره كمن كان في غيبوبة. وبين غيبوبة المُشرِّع وصحوته تتكون هوة، كأن تضيق مثلاً الطرق بأعداد السيارات المتزايدة. أو أن تزداد أعداد الحفر المعتادة، والحفريات العامة. ويزداد عدد حاملي رخص السوق من دون امتحان، أو حتى من دون مؤهلات كافية، كمعرفة إشارات المرور.
تتداخل عناصر كثيرة خلال الفترات الطويلة التي يحتاجها المُشرِّع لتطوير قانون ما مثل قانون السير. لكن القانون المُنتج يكون غير قابل للتطبيق لحظة إدخاله حيز التنفيذ. ففي حين أن 15 نيسان 2015 هو التاريخ المفترض لوضع قانون السير الجديد الصادر في العام 2012، تبقى آليات تنفيذه غير متوفرة. يقابل هذا الواقع، توجه السلطات المختصة نحو المسارعة في فرض الغرامات. فيظهر القانون بكامله، كحفنة من الغرامات، أو بالأحرى كأنه مجرد رفع لقيمة الغرامات السابقة.
يشرح عضو "جمعية يازا" شربل نورا لـ"المدن" أن أسوأ ما حدث في التسويق للقانون الجديد والتعامل معه، هو إختصار فحواه بقيمة الغرامات. ينتقد نورا في هذا الإطار السلوك الإعلامي من جهة، وسلوك الجهات المختصة بتطبيق القانون من جهة أخرى، وأولها وزارة الداخلية. "الغرامات هي أول ما سيُطّبق من هذا القانون"، يقول نورا. ويردف: "يجب قبل أي شيء آخر إنشاء وحدة مرورية تقوم بدراسة الطرقات، ثقافة الناس المرورية، وثقافة رجال الأمن القانونية".
الفهم الخاطئ لمضمون القانون، يبدو واضحاً لدى غالبية الناس. ففي إستطلاع لآراء بعض اللبنانيين حول معلوماتهم عن قانون السير الجديد، وآليات تطبيقه، بدا جلياً الربط المباشر بين القانون والغرامات التي سيفرضها. فقد وصف جهاد القانون بأنه "القانون القديم نفسه، مع غرامات فاحشة ستغطي عجز الخزينة"، في مقاربة ساخرة بين الغرامات التي يعتبرها فاحشة وبين عجز الدولة الذي لن تغطيه هذه الغرامات واقعياً. من جهة أخرى يجد حيدر أن "القانون قابل للتطبيق على غير الميسورين، بينما سيبقى بعيداً عن أصحاب السيارات ذات الزجاج الداكن". يريد حيدر من كلامه أن يشير الى أصل المشكلة التي لا تتيح للقوانين أن تعلو فلا يُعلى عليها، أي الفساد والرشوة والمحسوبية. من جهته يعتبر أحمد أن "قانون السير في لبنان يُصمم على نحو يحمُل الناس على المزيد من المخالفات والغرامات، وليس على نحو يجعلهم يرتدعون".
للمفارقة، أصدرت قوى الأمن الداخلي اليوم بياناً أعلنت فيه عن تسجيل مفارز السير لـ5542 مخالفة سرعة زائدة. وقد تم تسجيل هذه المخالفات بين 30 آذار و7 نيسان الجاري، وذلك "بهدف الحفاظ على سلامة المواطنين وتشكيل رادع لدى السائقين للقيادة بتأنّ بغية الحد من الحوادث"، وفقاً لما جاء في البيان.
حتى هذا الوقت، لا يزال الرادع الوحيد للمواطنين، هو الكم الهائل من المخالفات التي سيتحملونها. ذلك أن سلامة معيشتهم ستكون بالنسبة اليهم أسمى من سلامة حياتهم. ووفقاً لهذه المعادلة، سيكون إقناع المواطنين بمفاهيم السلامة المرورية، أكثر صعوبة.
من ناحيته يشرح نورا أن القانون لا يُختصر بالغرامات، وأن الحديث عن هذه الناحية يجب أن "يكون دقيقاً". ذلك أن المخالفات توزّع على "فئات ست، إحداها المشاة". كذلك الأمر، فإن قيمة الغرامات هذه تصاعدية، وهي "ترتفع كلما كان الفعل أكثر تهديداً لسلامة السائق وحياته، وسلامة الآخرين وحياتهم".
لا يخفي نورا صعوبة تطبيق القانون لناحية نظام النقاط الذي يستدعي إنشاء نظام مكننة، وإنشاء مدارس سوق، ووضع مناهج خاصة للتعليم في هذا المجال. ببساطة "قبل سنة يستحيل البدء بحسم النقاط مثلاً، ولن تصدر دفاتر سوق جديدة".