انيتا يونس.. "يلا جايي".. وبعده الصمت الابدي
ربيكا سليمان

رحلت انيتا رشدان يونس في أسبوع الآلام. ليس بمقدور القلوب الا ان تعتصرها جلجلة الالم والحزن. ثلاث صبايا وزوج تركوا مفجوعين، لكنهم وعائلتهم الكبيرة، لا يحزنون كسائر البشر. فبعد ذوبان العيون في الدموع، يحين وقت الفرح. فرح الرجاء. فرح حمل نعمة الصليب. فيرددون.."انا القيامة والحق".
امس، فجعت عائلة طبيب الاسنان نافذ يونس بخبر وفاة زوجته انيتا، جرّاء حادث سير وقع على الاوتوستراد الساحلي باتجاه جبيل. تروي ابنة عم الزوج، رانيا يونس، ما عرف حتى الساعة من تفاصيل الحادث: "كانت الثالثة والنصف ظهراً حين حصل الاصطدام. كانت انيتا آتية للتوّ من المستشفى حيث توجهت لتخليص بعض الاوراق تحضيراً لعملية جراحية كانت ستخضع لها ابنتها. تواصلت معها احدى بناتها تسألها متى ستأتي، فأجابتها :"يلا جايي". لكنها ذهبت الى مكان آخر".
تكمل يونس في حديثها لـ "لبنان 24": "كانت انيتا على ما يبدو، تسير على المسلك الشرقي من الاوتوستراد، حيث تسمح القيادة بسرعة 100. هناك، كانت قد توقفت شاحنة "ريو" بسبب تعطلها. يظهر ان انيتا لم تستوعب انها متوقفة.. فانزلقت تحتها".
توفيت السيدة، وهي في ربيع عمرها الاربعيني، فوراً، على رغم وضعها حزام الامان، وانتفاخ الكيس الهوائي في سيارتها الحديثة.
لا تقصد يونس لوم أحد بصرف النظر عن نوع الآلية الاخرى أو هوية اصحابها، لكن لا بدّ من اتخاذ اجراءات عاجلة في مثل هذه الحالات كأن توضع اشارات تدل السائقين الى ان ثمة سيارة معطلة أو التنبيه بأي طريقة اخرى". بحسب يونس، فإن سائقين آخرين اخبروها انهم نجوا من حادث مع هذه الآلية المعطلة بأعجوبة.
الى ذلك، تلوم يونس فعلاً الجهة التي نشرت صورة انيتا وهي مضرجة بدمائها داخل سيارتها المهشمة، على الانترنت: "فلنظهر قليلاً من الاحترام لحرمة الموت. يريدون التوعية، فليفعلوا ذلك عبر نشر صور سيارتها مثلاً، لكن ليس صورتها هي".
المأساة التي المت بالعائلة لا تختصرها أحرف الابجدية. بناتها الثلاث، 18، 15 و9 سنوات فقدن اماً كانت بمثابة صديقة لهنّ. تقول يونس: "انيتا كانت مفعمة بالحياة. ناشطة اجتماعية. تحبّ مساعدة الآخرين. عاشقة لزوجها ومنزلها واولادها. لا تستأهل هذا الموت المجاني. هذا الموت الذي بات رفيقاً يومياً لنا على الطرقات".
وعلى رغم الفاجعة، تؤكد يونس أن العائلة مؤمنة وتواظب على الصلاة. زوجها الذي كان يتحضّر للترشح الى الانتخابات النيابية "ابن كنيسة"، وسوف "يكرّمها" بصلوات غير منقطعة لراحة نفسها. اما والدتها، فباتت مثال المؤمن الملتزم. تروي يونس انها كانت تصلي مسبحة الرحمة الالهية عن نيّة والدتها، اي جدّة انيتا، المريضة. كان ذلك عند الثالثة ظهراً، لتسمع بعد نصف ساعة بخبر رحيل ابنتها. كأنها استبقت الموت لتهزمه بالصلاة والرجاء.
أما ابن عم الزوج، الشاعر حبيب يونس، فقد ودّع انيتا على طريقته. فكتب على صفحته على موقع "فايسبوك": انيتا الحياة، البسمي، العطر، المحبي، البيت المفتوح، الكرم، ما خليتي بعينيي دمعا. يمكن لأنك ما بدك يشوفا شريك عمرك القصير، نافذ، إبن عمي وإبن خالتي، الآدمي، الطيب، القديس، اللي وجو المكسور ختصر كل حزن الأرض، ولا تشوفا بناتك ماريلين وفيرونيكا وأنجلينا، اللي رح يكبرو بغيابك، وبعمرن إنتي غصتن الكبيري.الحياة كانت بتلبقلك، خليكي بعد شوي:
ما كان زهر اللوز ع بالو
يقشع خيالو مدمع قبالو
كيف الربيع بيقدر، بغفلة عطر
يمحي الندي ويخزق خيالو...؟".
تحتفل العائلة بالصلاة لراحة نفسها عند الثانية من بعد ظهر الخميس 2 نيسان في كنيسة مار ماما حبوب، وينقل جثمان الفقيدة الى مثواها الاخير في تنورين. "سترقد الى جانب كنيسة السيدة"، تختم يونس، مطمئنة.
(خاص "لبنان 24")