الأسباب الموجبة لصدور قانون سير جديد
أخذت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية بالتعاون مع "تجمع الشباب للتوعية الإجتماعية – اليازا" على عاتقها الإهتمام بموضوع السير منذ أكثر من أربع سنوات بعد أن تفاقمت المشاكل في المدن ومع التزايد الكبير في عدد السيارات في لبنان و بسبب عدم تطبيق القواعد القانونية التي تعرّض حياة المواطنين للخطر اليومي على الطرقات.
بقلم: زياد عقل، مؤسس اليازا
ومع نمو قطاع النقل بشكل واسع خلال العقود الأخيرة حيث بات يشكل قطاعاً حيوياً لحياة الإنسان وللتبادل التجاري والصناعي والخدماتي، ومع تطوّر شبكة الطرقات في لبنان حيث ازداد عدد المركبات من خمسة وخمسين ألفاً عام 1960 إلى مليون وربع المليون تقريباً عام 2004، وكلها تتجوّل على طرقات لبنان وتشكّل سبباً رئيسياً لحوادث السير وتزايد عدد الوفيات والجرحى سنوياً والخسائر المادية الكبيرة نتيجة عدم التأهيل والتنظيم، إضافة إلى زيادة نسبة التلوث الذي يلحق أضراراً كبيرة بالبيئة.
كما كان لاعتماد حزام الأمان وسواه في النصوص التشريعية، دور فعّال للسلامة داخل المركبات، إنما درجة الإلتزام في تطبيقه بدأت بالتدنّي إلى أن وصلت في لبنان إلى حوالى 20% فقط خلال العام 2003 بسبب عدم التشدد في تطبيقه.
وقد عملت لجنة الأشغال العامة على دراسة التعديلات المناسبة للقانون الحالي (القانون رقم 76/67 تاريخ 16/12/1963) الذي عُدّل مرات عديدة، وبالرغم من العدد المرتفع للمراسيم والتعديلات، يمكن التأكيد على أنها تعديلات طفيفة وغير جوهرية ولم تكن على مقدار ما هو مطلوب لتنظيم قطاع السير وتأمين سلامة المرور وحماية البيئة في لبنان.وعقدت لجنة الأشغال العامة لهذه الغاية العديد من الإجتماعات التحضيرية مع الهيئات والإدارات المعنية والخبراء المختصين والقطاع الأهلي وكلفت اليازا، بالتنسيق والتشاور مع الجهات الرسمية المختصة، العمل على وضع قانون عصري جديد للسير يتلاءم مع التطور والعولمة ويغطّي النواقص التي غفل عنها القانون الحالي ويساهم في نقل لبنان من مرحلة فوضى السير إلى تنظيم قواعد المرور والسلامة العامة ويفرض العقوبات الرادعة على المخالفات.
ثم إن تطبيق قانون السير وخاصة التشريعات الجديدة التي لم يعتد عليها المجتمع يجب أن تترافق مع مرحلة تمهيدية تسمح للجمهور التعرف بواسطة وسائل الإعلام على مضمون وغاية التشريع الجديد بالإضافة إلى ماهية ونوعية العقوبة المفروضة والأسباب الموجبة لمعاقبة المخالفين.
ومع بداية مرحلة التنفيذ، يجب أن يبدأ تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون بشكل متواصل غير منقطع لفترة طويلة من الزمن، لأن الإنقطاع في التطبيق يضعف من جدية القرارات والقوانين الجديدة ويحد من الإلتزام بها.
ولعل أبرز عقوبة رادعة توافق عليها الباحثون في مجال تطبيق قانون السير هي عقوبة سحب دفتر القيادة لفترة مؤقّتة أو دائمة عند التكرار، وفي حالات معينة محددة بشكل واضح في النصوص التشريعية.
ونتيجة للجهود والأبحاث التي بُذلت، تمّ التوصل إلى وضع هذا الإقتراح الذي يتطرق إلى كافة مشاكل السير في لبنان، ويضع الأسس الواضحة لقانون عصري يراعي المواثيق الدولية المعتمدة، ويتلاءم مع الواقع اللبناني، ويضع الآليات الدقيقة والحديثة للحصول على إجازة القيادة وفق المعايير المعتمدة دولياً.
الأسس المعتمدة في اقتراح القانون
أولاً: إنشاء قاعدة معلومات (Data Base) لكافة قضايا ومخالفات السير بحيث يكون لكل سائق سجل خاص تسجَّل عليه المخالفات التي يرتكبها أثناء قيادة مركبته، واعتماد نظام النقاط السوداء وفق آلية معينة تقضي بوضع لائحة بنقاط المخالفات المرورية، وتتلخص هذه اللائحة في أن يُحتسب لكل شخص يحمل رخصة قيادة، عدد من النقاط بحدّ أقصى 20 نقطة.فعندما يرتكب الشخص مخالفة مرورية يسجَّل في سجله بالحاسب الآلي عدد من النقاط يتناسب مع خطورة المخالفة.
وقد تم تصنيف المخالفات المرورية إلى مجموعات متجانسة من حيث درجة خطورتها على السلامة العامة، وحُدّد لكل مجموعة عدد من النقاط، وقد تم تحديد العقوبات بحق مخالفي أنظمة المرور على ضوء سجل المخالفات التي يرتكبها كل سائق مركبة، بما في ذلك السحب النهائي أو المؤقت لرخصة القيادة وحضور دورات تأهيلية أو تدريبية.
ثانياً: إعتبار دفتر القيادة إمتيازاً مؤقتاً يُمنح للسائق الملتزم بقانون السير ومدى تمتعه بهذا الإمتياز في قيادة المركبات على الطرقات العامة، وعلى المواطن الراشد أن يستوفي الشروط القانونية للحصول على دفتر القيادة من النواحي الطبية، النظرية والعلمية وعليه التصرف بشكل قانوني ليحتفظ بهذا الإمتياز.
فكلما زادت المخالفات، إنخفض امتياز القيادة والعكس صحيح، وصولاً إلى مبدأ سحب دفتر القيادة حيث أظهرت الدراسات، مقارنة مع قوانين السير في الدول المتطورة، أن هذه الفكرة ساهمت وساعدت بفعالية كقوة رادعة في قمع المخالفات الخطيرة والمتكررة لقانون السير.
ثالثاً: التشدد في العقاب، لأنه من المتوافق عليه بين معظم الباحثين في مجال سلامة المرور، أن جدية العقوبة والتشدد بها قد ساهمت بنجاح في حسن تطبيق قواعد السلامة المرورية لأن العقوبة البسيطة تؤدي إلى استهتار السائق والمشاة معاً بقانون السير.ففي لبنان مثلاً، كانت عقوبة المشاة في عدم استخدام الممرّات والأنفاق والجسور الخاصة لا تزيد عن خمسة آلاف ليرة، مما جعل هذه العقوبة غير مجدية، كذلك الأمر بالنسبة لمخالفات القيادة.
رابعاً: تصاعدية الغرامة والعقوبة، إذ أن أبرز الفجوات الحالية في قانون السير الساري المفعول هي عدم مرونة المخالفات بحيث تُحدَّد مبالغ ثابتة في الغالب لكل فئة من فئات المخالفات الثلاث الواردة في الجدول المرفق بالقانون، وهي أقرب ما تكون إلى الحد الأدنى، وتجدر الإشارة إلى أن لبنان لا يعتمد مبدأ التصاعدية بالنسبة للتكرار أو عند خطورة المخالفة.
مثلاً، إن الحدّ الأقصى للسرعة القانونية على الطرق الدولية هو مائة كلم، فالسائق الذي يُضبط وهو يتجاوز هذه السرعة لأول مرة ينال نفس العقوبة التي ينالها السائق الذي يتجاوزها للمرة الخامسة.
بينما عند تطبيق العقوبة التصاعدية، تزداد الغرامة وتزداد معها النقاط السوداء على السجل الخاص بالسائق.
خامساً: تنظيم سير المركبات الثقيلة، التي لها تأثير كبير على سلامة المرور، وقد أظهرت الدراسات أن الإرهاق النفسي والجسدي عند سائقي وسائل النقل العامة والباصات المدرسية يؤدّي إلى ارتفاع درجة الخطورة لدى سائقي هذه المركبات الثقيلة.
وهذا يستدعي تنظيم قطاع النقل العام واعتماد نظام متطور وحديث لهذا القطاع بشكل يؤمّن للسائق ضمانات مالية وصحية غير مرتبطة بساعات العمل في اليوم الواحد.
من جهة أخرى، فمشكلة الزيادة في الحمولة بهدف تأمين أرباح إضافية وعدم قمع مثل هذه المخالفات، سيؤدي حتماً إلى تزايد مشكلة حوادث المركبات الثقيلة في لبنان، إضافة إلى التأثير المباشر على وضعية الكثير من الطرقات والجسور والتهديد اليومي لسلامة الأشخاص سائقي هذه المركبات أو للسلامة العامة على الطرقات.
هذا القانون يجب أن يترافق مع وضع خطة جدية لتنظيم قطاع النقل في لبنان وتطبيق الشرعة اللبنانية لحقوق المشاة التي أقرّتها اللجنة سابقاً أسوةً بنصوص القانون المقارَن (الشرعة الأوروبية لحقوق المشاة).
إن من شأن كل القوانين هو إيجاد الحلول للمشاكل التي تثيرها العلاقات في المجتمع وتنظيم شؤون هذا المجتمع وتحقيق الصالح العام فيه.
ولكي تؤدّى هذه المهمة لا بد للقوانين من مواكبة التطور الحاصل في شتى الميادين، كما لا بد لها من ملاقاة الحاجات والإهتمامات في المجتمع الذي ستعمل في ظله، فما يصلح في مجتمع معين من قوانين قد يكون غير مجدٍ في مجتمع آخر وكذلك الحال بالنسبة للزمان، فما يصلح لزمان معين قد يصبح عديم الفائدة في زمان آخر.
وكل هذا ينطبق على قوانين السير التي يجب أن تكون منسجمة مع الواقع الذي تعمل في ظله حتى تظل محترمة ومقبولة من كل الناس.
إلا أن ذلك لا يمنع من وجود قواعد عامة تصلح للتطبيق في كل أنحاء العالم، كإشارات المرور مثلاً التي توصّلت إليها الإتفاقيات الدولية والتي من شأنها أن تنظّم شؤون السير.
وإذا كنا اليوم في لبنان أمام قانون للسير عمره حوالى الأربعين سنة، وعلى أمل بإقرار قانون جديد للسير يواكب التطورات العصرية الحاصلة، فهل علينا الإنتظار فترة مماثلة لإدخال التعديلات اللازمة على القانون الجديد (في حال صدوره) أم أن حركة التشريع يجب أن تكون مرنة بحيث تتعامل مع كل تطور حاصل بشكل إيجابي وسريع في عالم يشهد تطوراً هائلاً في شتى الميادين؟