20 مليون دولار للخزينة... غرامات السرعة الزائدة منذ أيار الماضي

زينب زعيتر, الاثنين 30 نوفمبر 2015 04:00
تضبط قوى الامن الداخلي بشكل يومي ما يزيد عن 700 مخالفة سرعة زائدة منذ بداية تطبيق قانون السير الجديد. وإذا ما اعتبرنا انّ معدل هذه المحاضر هو 200 الف ليرة، فانّه وبعملية حسابية بسيطة نصل الى مبلغ 4 مليارات و200 مليون ليرة شهرياً، اي انّه وخلال 7 اشهر من بدء تطبيق القانون، دخل الى الخزينة ما يقارب الـ29 مليارا و400 مليون ليرة، بما يعادل الـ19 مليونا و600 الف دولار.
كأنّه لا يُطبق شيء من هذا القانون سوى مخالفات السرعة الزائدة، وهي على مدى احقيتها وأهميتها في خفض عدد حوادث السير وبالتالي أعداد القتلى والجرحى الناتجة عنها، الاّ انّ ذلك يطرح عدداً من الاسئلة لجهة الاشكاليات المتعلقة بضبط هذا النوع من المحاضر.
وإذ نبدأ من الاخطاء الجسيمة المرتبطة بكيفية التبليغ عن المخالفات، والتي لا تصل عادة الى المخالف، لاعتبارات قد تتعلق بتغيير العنوان السكني أو رقم الهاتف، فتتحول الى القضاء طبعاً مع زيادة مبلغ الضبط نتيجة الشروط الجزائية لعدم الدفع، فنصل الى المبالغ الاضافية التي تتقاضاها شركتا البريد السريع وتحويل الاموال المخولتان جباية أموال المحاضر"liban post"، و"OMT"، حيث تتقاضى مبلغ 10 آلاف ليرة عن كل محضر، لنختتم المقدمة بالتساؤل عن كيفية توزيع المبالغ، والتي لا يتم صرف أي منها كما هو مفترض على آليات تحسين السلامة المرورية.
سحب نقاط
وحسب قانون السير الجديد، فانّ تجاوز السرعة المحددة بأقل من 20 كلم س، يُحتسب مخالفة فئة ثانية ويُغرم الشخص بـ100 الف ليرة لبنانية، تزيد كلما زادت السرعة لتتخطى احيانا الـ300 الف ليرة وسحب نقاط من دفتر السوق. وإذا كان الهدف من تغريم المخالفين، هو تخفيض عدد حوادث السير والتقيد بالسلامة العامة، فانّه من المنطقي مقاربة هذا الملف من ناحية جعل المواطن المستفيد الاول من هذه الغرامات، وليس صندوق تعاضد القضاة على سبيل المثال لا الحصر. وتدخل هذه المخالفات السرعة الزائدة ضمن خمس فئات، تتراوح عقوباتها ما بين المئة الف وثلاثمئة وخمسين الفا، امّا الفئة الاخيرة فتسجل لدى تجاوز السرعة المحددة بأكثر من ستين كلم في الساعة، وقد تكون عقوبتها السجن من شهر حتى سنتين، وتتراوح عقوبتها المادية ما بين مليون الى ثلاثة ملايين ليرة.
كيفية التبليغ
أولى المشاكل تتمثل في التبليغ عن المحاضر، ونسبة كبيرة منها يتم دفعها، بينما عدد آخر منها يحوّل الى القضاء نظرا لتعذر الوصول الى اصحابها او لعدم دفعهم المحضر، وهي مسألة لا يخفيها المعنيون في قوى الامن الداخلي، بينما هي محط انتقاد وجدل واسعة، في ما يتعلق بنظامي الجباية والعناوين. فإذا ما اعتبرنا ان القانون جيد ومن أفضل القوانين التي يمكن التوصل اليها، فهل ان المؤسسات المعنية قادرة على تطبيقه بكفاءة؟.
فيما يلي، لن يكون من الضروري التلميح الى مظاهر الفساد التي تتعلق بالجسم المروري، وما أكثرها وضوحاً، ولن نتوقف عند كل نقطة من القانون بعد سبعة من اشهر من تطبيقه، من أجل تقييمه، وانمّا للتطرق الى المبالغ المدفوعة جراء محاضر ضبط مخالفات السرعة الزائدة فقط. تطرح هذه المشكلة أكثر من اشكالية، فكيف يمكن وعلى سبيل المثال أن تسحب نقاط من دفتر سوق أحد المخالفين لتجاوزه سرعة محددة، وعدد كبير من المواطنين لا تزال تصل اليهم دفاتر السوق الى منازلهم دون تكلفهم حتى زيارة الدائرة المعنية، وكيف لهم أن يطلبوا من مواطن الالتزام بالاشارات المرورية وأول متجاهل لها شرطي يقف على جانبها؟. ونشير ايضاً الى الوساطات التي تتحكم بهذه المسألة ايضاً، حيث يمكن وبمجرد أن يكون لدى الشخص "معارف" في الدائرة المعنية أن يُصار الى تخفيض نسبة المحضر الى النصف، او إلغائه اذا كانت "الواسطة تقيلة".
5000 مخالفة
تفيد الارقام الصادرة عن قوى الامن الداخلي عن تسجيل 167.785 الف مخالفة سرعة زائدة منذ بداية تطبيق قانون السير الجديد، فيما سجل الاسبوع الاخير من الشهر الجاري ما يقارب الـ5000 مخالفة. وتذكر انّ غالبية المخالفات تقع ضمن الفئة الثانية التي تتراوح ما بين الـ100 الف والـ200 الف ليرة، ولا تتعدى مخالفات الفئة الخامسة الواحد بالمئة منها، وتبلغ غراماتها من مليون الى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية.
وفيما يلي سنقوم باعتبار المعدل اليومي للمخالفات هو 700 محضر سرعة زائدة، اي اننا امام 21 الف محضر شهرياً، بمعدل 200 الف ليرة، إذا ما استثنينا مبلغ الـ10 آلاف ليرة في حال اختار المواطن المخالف الدفع عبر خدمتي الـ"Liban Post"، أو "OMT"، واستثنينا تراكم المبالغ نتيجة عدم الالتزام بالدفع خلال المهلة المحددة، فنكون امام مبلغ 4 مليارات و200 مليون ليرة شهرياً. اي انّه قد دخل الى الخزينة 29 مليارا و400 مليون ليرة منذ ايار المنصرم بعد شهر واحد من بدء تطبيق قانون السير الجديد.
توزيع النسب
ويحدد قانون السير كيفية توزيع هذه المبالغ، بنسبة 20% الى البلديات، 25% الى احتياط قوى الامن الداخلي، و55% منها الى مالية الدولة. وبدورها تقسم هذه المبالغ في نفس الدوائر التي يتم التحويل اليها، ومنها ما يهذب على سبيل المثال الى صندوق تعاضد القضاة وصندوق التعاون للمساعدين القضاة، وحسب القانون يُمكن ان تُستدبل الاموال التي يجب أن تُحسب لشرطة سير البدليات، بمكافأة سنوية، يتم اجتزاؤها من صندوق احتياط قوى الامن الداخلي.
بدورها تؤكد جميعة "اليازا" المعنية بشؤون السير انّ الارقام الآنفة الذكر دقيقة، وبأنّ عدداً كبيراً من محاضر الضبط تُسطّر يومياً نظراً لتواجد الرادارات على الطرقات السريعة، ولكنّ للاسف "لا يستفيد منها المواطن"، يقول شربل نوار عضو في الجمعية في حديث لـ"البلد". يتحدث نوار بالتالي عن ضرورة جعل المواطن المستفيد الاول من هذه الغرامات، وخصوصاً انّ الطرقات بحاجة الى ترميم واصلاح وانارة وتحسين وزيادة مواقع المعاينة الميكانيكية، اضافة الى حلول كثيرة ترتبط بالسلامة العامة المرورية، وتحتاج الى مبالغ طائلة. ولا يمكن اغفال مسألة اخرى يلخصها نوار باعتبار انّ الجميع يجب أن يكونوا تحت سقف قانون السير الجديد بمخالفاته المرتفعة، ولكن "شرط أن يكون موقع الرادار مطابقا للمواصفات العالمية"، لذلك فانّ "اليازا" تطالب بتصحيح هذا الطرف من القانون والالتفاف الى جعل المواطن مستفيداً".
مقاربة مختلفة
مقاربة المعنيين في قوى الامن الداخلي تبدو مختلفة، فيوضح مصدر منها في حديث لـ"البلد"، معتبراً انّه يجب الالتفات الى أهمية ما قدّمه القانون من انخفاض لعدد الحوادث، بدلاً من التطلع الى النسب التي تحققها محاضر المخالفات. فالاهمية لا تكمن في جمع المال وانما في الردع وخفض عدد الضحايا، "فعندما نرى انّ عدد الحوادث انخفض الى النصف، وكذلك 30% انخفض عدد القتلى وأقل من 500 جريح، فهذه اولوية يجب النظر اليها وعدم التطلع الى نسبة المخالفات والغرامات الناتجة عنها فقط".
ينتقد خبير في الاكاديمية اللبنانية للسلامة المروية، كيفية توزيع المبالغ جراء مخالفات السرعة الزائدة، دون التطرق الى بقية مبالغ المخالفات، فيشير وبناءً على مقاربة المصدر في قوى الامن الداخلي السابقة، ويقول "إذا أردنا مقاربة المسألة من ناحية الاولوية، فالأجدى الحديث عن السلامة وفيما اذا كانت هذه الاموال تُصرف على تحسين الطرقات وسلامة المركبات وبرامج التوعية، او انّها تُصرف بغير وجه حق".
كما يستغرب الخبير، نسبة الاموال التي تذهب الى صندوق تعاضد القضاة، او تلك التي يحولها القانون الى قوى الامن الداخلي، من دون الاشارة بوضوح الى كيفية توزيعها. ويتابع "تلك مجرد عناوين تفتح الباب واسعاً امام ملفات شائكة تتعلق بنظام الجباية والتبليغات والعناوين، وما اذا كانت القدرات البشرية والمادية الموجودة قادرة على تطبيق آليات القانون الجديد اصلاً، فالقانون يجب أن تُخلق له آليات ايضاً، وهذه مسألة لا يمكن اغفالها".
لجنة وطنية
ومن المفترض أن تجتمع اللجنة الوطنية للسلامة المرورية اليوم، في اول اجتماعاتها بعد اقرار قانون السير الجديد منذ سبعة اشهر. وتختص اللجنة بالتعاون مع الوزارات المعنية بكل ما يتعلق بالسلامة المرورية. وتشير مصادر أكاديمية الى انّه لو أُعطيت الصلاحيات الكاملة لتلك اللجنة وصُرفت لها ميزانية جيدة، فانّها ستكون قادرة على صنع تغيير جذري في ملف السير، والاّ "سنكون أمام قانون بدون آليات لتطبيقه وبدون قدرات في شرية بالمؤسسات المعنية كقانون شبيه بجسم بلا رأس".