بوهجٍ أقل، و"همروجة" أخف، بدأت المرحلة الثالثة من تطبيق قانون السير الجديد، والتي ستمتد من 1 حزيران الى 31 تموز، في حين لم يكتمل بعد تطبيق المرحلتين الأولى والثانية، بدليل ما نراه من مخالفات يومية صريحة في بعض الشوارع، وإن كانت مغطّاة بصورة عامة من الالتزام في صفوف اللبنانيين. فهل حققت المرحلتان الأولى والثانية أهدافهما المرجوة بتقليص أعداد ضحايا حوادث السير في لبنان، ليدخل القانون مرحلته الثالثة من التطبيق، وما هي المرحلة الثالثة، وماذا تتضمن؟
تتضمن المرحلة الثالثة "تطبيق قانون السير القديم وفقا للغرامات الجديدة" وتتعاطى تحديداً بموضوع الميكانيك (فئة ثالثة) وتتراوح قيمة الغرامة بحق السيارة التي لم يدفع مالكها الميكانيك المستحق على سيارته بين 350 و450 الف ليرة لبنانية، والقيادة من دون رخصة (فئة خامسة) أو السير بسيارة دون الحصول على وكالة شرعية من صاحبها (ما عدا الأب والأم) وغرامتها بين مليون و 3 ملايين ليرة بالإضافة الى حبس من شهر حتى سنتين، وتشمل أيضا المرحلة الثالثة السيارات غير المسجلة أو من دون لوحات (فئة رابعة) وقيمة الغرامة بين 500 و700 الف ليرة لبنانية، واحتجاز حسب المخالفة.
وكانت قد أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـ شعبة العلاقات العامة أنه "إعتباراً من تاريخ 01/06/2015 وإستكمالا لتنفيذ "قانون السير الجديد"، ستباشر القطاعات المعنية في قوى الأمن الداخلي بالمرحلة الثالثة منه وتتضمن "تطبيق قانون السير القديم وفقا للغرامات الجديدة"، بالإضافة إلى المرحلتين السابقتين (الأولى والثانية)، وذلك حتى تاريخ 31/07/2015 ضمناً. وأشارت المديرية العامة إلى انه سيتم في وقت لاحق الإعلان عن بدء تطبيق المرحلة الرابعة. وذكّرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المواطنين بضرورة الإلتزام بقانون السير حفاظاً على سلامتهم، كما تطلب منهم تسوية أوضاع مركباتهم المخالفة".
ثمار موسمية
إذاً بدأت المرحلة الثالثة وما زالت اعتراضات اللبناني الملتزم رغماً عنه (خوفاً على جيبه لا حياته) على حالها في ظلّ بقاء الطرقات من إنارة وصيانة وإشارات مرور على حالها كما كانت من قبل البدء بتطبيق القانون. وفي قراءة سريعة للمرحلتين الأولى والثانية مع أمين سر جمعية "اليازا" كامل ابراهيم، يتضح لنا بأن المرحلتين أعطتا ثمارهما "الموسمية" التي يمكن أن تنتهي مع مرور الوقت ومع برود الوهج الإعلامي الذي شكّل نوعاً من الفوبيا عند اللبنانيين وجعل التزامهم أسرع وأوسع.
نجاح ولكن...!
يؤكّد ابراهيم لـ"البلد" بأنه كان هناك التزام من الناس بنسبة عالية في المرحلتين الأولى والثانية "ويمكننا القول بأنه كان هناك نجاح لتطبيق القانون في المرحلتين الماضيتين مبدئياً، وعلى الأقل استطعنا توفير عشرين قتيلاً في نيسان. حيث كان التزام الناس على الطرقات بشكل أكبر من قبل لا سيما في جبل لبنان وبيروت الكبرى ، وهذا ما أدى حكما الى انخفاض عدد ضحايا حوادث السير في هذه الفترة، ولكن لا يمكننا بعد تحديد ماهية هذا النجاح، ان كان هو بناءً على خطة معينة وتطبيق فعلي من المعنيين، أم كان بسبب التغطية الاعلامية الكبيرة التي واكبت تطبيق قانون السير في مراحله الأولى والتي أسهمت بالتزام الناس خوفاً".
ويرى ابراهيم ان النجاح الحقيقي لا نستطيع تقييم اهميته قبل أن يخف الوهج الاعلامي وبمراقبة الاستدامة في تطبيق القانون بالشكل الذي بدأ فيه ، والسؤال هل سيستمر هذا الالتزام في الفترات القادمة وهل ستستمر الجدية في تطبيق القانون في مختلف المناطق؟
العقاب هو الأهم
وعن المخالفات التي ما زالت تغزو بعض شوارعنا يقول ابراهيم "سوف نستمر برؤية بعض المخالفات فنحن لدينا نقص كبير بعتيد وعتاد قوى الأمن، وبالنهاية لا يمكن وضع شرطي على كل مواطن، ولكن المهم هو العقاب، لأن المخالف إذا ما تمت معاقبته اليوم فبالتأكيد سيُعاقب غداً او بعد غد، وبالتالي المُعاقب لمرة واحدة بالتأكيد (ما رح يعيدا) بسبب الغرامات العالية التي أسهمت بالتزام الناس بشكل ملحوظ".
استمرارية على المحك
لا يتفاءل ابراهيم باستمرار تطبيق قانون السير الجديد، رغم سروره بالنتائج الايجابية التي حصدتها المرحلتان الاولى والثانية من تطبيقه، ويعود تشاؤمه هذا لغياب الاهتمام الحكومي الرسمي بهذا الملف بشكل اساسي في الوقت الحالي، إذ أن القانون وكل ما تم تحقيقه حتى اليوم هو على كف عفريت "في ظل عدم وجود مجلس وطني للسلامة المرورية وفريق عمل متخصص يضع خطة استراتيجية شاملة لمعالجة حوادث السير بالشكل المطلوب وتخفيض عدد ضحايا حوادث السير في لبنان، فإذا لم يتم تشكيل فريق عمل متخصص تدعمه الحكومة فبالتأكيد نحن ذاهبون إلى مشكلة كبيرة، في هذا الملف، ففي حال حصلت أي خضة امنية في البلد أو اذا صار هناك تغيير حكومي او وزاري سنعود لنقطة الصفر، لأن تطبيق القانون كان بناء على اهتمام موسمي وعمل أفراد مهتمين به وليس بناء على فريق مختص قادر أن يهتم بتطبيق القانون مهما صار في البلد".
حلول ثلاثة
ويلخّص ابراهيم الحلول التي يمكن أن تضمن فعالية واستمرارية تطبيق قانون السير الجديد في (قرار سياسي، فريق عمل متخصص، وتمويل) فـ"بهذه النقاط الثلاث قادرون أن نبني سياسة نصل بالفعل عبر تطبيقها الى تخفيف عدد ضحايا حوادث السير الى ما يقارب النصف خلال مرحلة لا تتجاوز الست سنوات".
وفي الوقت الذي تعلو فيه بعض الأصوات السياسية المطالبة بتأجيل تطبيق مخالفات السير العالية بحق المواطنين والاكتفاء بالشق الإصلاحي منه لسبب ما تمرّ به البلاد من أجواء اقتصادية وأمنية ضاغطة، يرى ابراهيم بأنه ليس هناك أي تسريع في مراحل التطبيق بل "كان يجب ان يطبق قانون السير دفعة واحدة" والمرحلة الثالثة ضرورية لأن المنطق يطالب بعدم وجود السيارات المخالفة على الطريق، وذلك حفاظاً على مبدأ المساواة بين عامة الناس، مطالباً أيضاً بتسريع تطبيق القانون الذي يمنع الأهالي من وضع أطفالهم بالمقاعد الأمامية لأن هذا "يشكل خطراً على حياة الأطفال".
رهن الوقت
ويبقى استمرار قانون السير الجديد رهن الأوضاع الأمنية والتقلبات الرسمية في ظل غياب مجلس وطني يعنى بالسلامة المرورية، ويبقى الوقت قادراً على كشف ماهية النجاح الذي حملته المرحلتان الأولى والثانية من تطبيق القانون، ومعرفة حقيقته، ان كان نابعاً من تطبيق جدّي من قبل المعنيين أم يعود لفوبيا إعلامية أسهمت دون أدنى شك بتذكير المواطن اللبناني بأن المخالفة ستكلفه غرامة مادية موجعة، بعد أن نسي بأن المخالفة قد تكلّفه غرامة معنوية يُستحيل تعويضها، وهي حياته.