وُلد قانون السير الجديد في تموز من العام 2012 بعد مخاض عسير في مجلس النواب، وتضمن بمواده التي تزيد عن 460 عدداً من الاصلاحات التي تجعله عصريًا، فساهم بولادته في خلق فسحة أمل للجمعيات التي تُعنى بالسلامة المرورية في لبنان، إضافة إلى باقي اللبنانيين. ولكن ها نحن اليوم نعيش بالعام 2014 ولا يزال قانون السير القديم هو القانون الساري المفعول، فلماذا؟
يلفت نائب رئيس جمعية "اليازا" جو دكاش النظر إلى أنّ كل القوانين الصادرة في شأن معيّن تحمل في بدايتها عنوانًا صريحًا بأنها تُبطِل القوانين التي تسبقها في نفس الشأن، وبالتالي فإنّ قانون السير الجديد أبطل القديم، ورغم ذلك لا يزال القديم هو المطبّق حاليًا. ويشير دكاش، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي ارتكبت خطأً دستورياً عندما أوقفت العمل بقانون السير الجديد، وهذا ما دفع لتكليف الوزير السابق المحامي زياد بارود بتقديم طعن امام مجلس شورى الدولة الذي ابطل قرار الحكومة.
من جهته، يؤكد مسؤول العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزيف مسلم أنّ الاعتراضات التي رافقت اصدار قانون السير الجديد عام 2012 جعلت الحكومة تصدر قراراً بتجميد القانون الجديد، وبالتالي ارسلت الادارة المسؤولة عن قوى الامن تعميما باستئخار تطبيقه، "ولم يصلنا اي قرار معاكس حتى اليوم".
ويضيف مسلم: "رغم أنّ مجلس شورى الدولة قد طعن بقرار الحكومة بعد أن تقدّم أعضاء من المجتمع المدني بشكوى أمامه، إلا أنّ قوى الامن الداخلي لم يصلها أيّ تعميم يلغي التعميم السابق باستئخار تطبيق القانون الجديد ولذلك لا يزال قانون السير القديم هو الساري المفعول حاليا". ومن جهته، يشير دكاش إلى أنه "بإمكان اي شرطي سير ان يحكم وفقا لقانون السير الجديد لانه النافذ حاليا رغم وجود بعض المراسيم التطبيقية التي تصدرها وزارة الداخلية لتنفيذ القانون بشكل كامل، ورغم تذرع بعض مفارز السير بأنها لم تتلق اي تعميم بهذا الخصوص".
التعديلات في القانون الجديد
يلفت دكاش النظر إلى أنّ القانون الجديد حمل بعض التغييرات الجذرية التي تتعلق برخصة القيادة وكيفية الحصول عليها، استحداث اختصاص جديد بالمعاهد المهنية والتقنية يُعنى بتعليم السوق، تأسيس مدارس تعليم القيادة، اضافة الى انشاء هيئة عليا لادارة السير مؤلفة من رئيس الحكومة رئيسا، والوزراء المعنيين كأعضاء فيها. أما في ما يخص المادتين المثيرتين للجدل 154 والتي تتعلق بلوحات سيارات النواب، و278 التي تقضي بتصحيح بعض "الاخطاء المادية" المتعلقة باستيراد الدراجات النارية والمركبات الالية، فيشير دكاش إلى أنهما بقيتا خارج البحث. ويقول: "بالنسبة للمادة 154 فأظن بأنها لن تشكل مشكلة لأن النواب انفسهم ابتعدوا عن اللوحات الزرقاء المثيرة للشبهة".
وهنا يشير مسلم إلى أنّ 22 تعديلا جديدا تمّ إدخالها على مواد قانون السير الجديد وقد صدر عدد منها في الجريدة الرسمية منذ اسبوعين، كاشفا انه تم الاخذ ببعض ملاحظات نقابات النقل البري في التعديلات الجديدة.
الحملة الاعلامية توقفت
ان تطبيق قانون السير الجديد المتضمن تعديلات عديدة بحاجة لحملات توعية لتعريف المواطنين على التجدد القادم، وفي هذا الاطار يشير دكاش الى ان جمعيات المجتمع المدني التي تُعنى بشؤون السلامة المرورية، وعلى رأسهم "اليازا" قدمت عددا من المحاضرات ونشرت كتيبات ومنشورات للتوعية، لشرح مواد قانون السير الجديد. ومن جهته يكشف مسلم ان الحملة الاعلامية الخاصة بقانون السير الجديد توقفت في مراحلها الاخيرة بعد قرار الادارة باستئخار تطبيق القانون، مشيرا في هذا السياق الى ان مواد القانون الجديد ستطبق فور تسلم قوى الامن الداخلي قرارا بذلك ما عدا الشق المتعلق بالغرامات والتي ستحتسب على اساس القانون القديم لمدة سنة واحدة، باستثناء الغرامات من الفئة الخامسة اي التي تشكل خطرا على السلامة المرورية. ويقول: "اذا ضبط الرادار شخصا يسير بسرعة زائدة تفوق 160 كيلومترا بالساعة فإن العقوبة بحسب القانون الجديد ستكون السجن، وهذه الغرامة تأتي ضمن الفئة الخامسة التي ستطبق فور بدء تطبيق القانون".
ويدعو دكاش اخيرا الحكومة ووزارة الداخلية لاستكمال العمل سريعا على تطبيق قانون السير الجديد، للمحافظة على سلامة الطرقات وتوحيد مرجعية السير، والاهم تحسين النقاط المتعلقة بمحاضر الضبط والوقت الذي يستغرقه تبليغ المعني بوجود محضر بحقه، لان اطالة هذه المدة تُفقد المحضر جدواه بالتأثير على سلوك المخالف على الطرقات، كاشفا في هذا السياق عن وعد قدمه وزير الداخلية نهاد المشنوق لتسريع عمليات التبليغ.
من واجبات مجلس النواب اللبناني ومن صلاحياته تشريع القوانين، وعملاً بمبدأ فصل السلطات لا يحق لمجلس الوزراء ان يصدر قرارا يقضي بوقف تطبيق قانون صادر عن المجلس النيابي. اذاً فإن قانون السير الجديد هو الساري المفعول حاليا، اما لناحية الامر الواقع فالقديم لا يزال هو المُطبق، مع الاشارة اخيرا الى ان تطوير القوانين له اهمية خاصة، الا ان تطبيقها يبقى هو الأهم.