ولد قانون السير الجديد ميتاً. ولد مع أخطاء مطبعية وأخرى معنوية وسيارات دبلوماسية. كلها مسائل جعلت الموظفين الحكوميين يحارون في التعامل معها. لم يطل الأمر قبل أن يعلن وزير الداخلية تعليق العمل بالقانون
ملف | ثلاثة أصفار كانت كافية لتطيح قانون السير الجديد. كان يجب أن يكون الرقم 25 ليرة لبنانية، غير أنه ورد، في القانون الجديد، مع ثلاثة أصفار عن طريق الخطأ. الـ 25 ل. ل. أصبحت 25000 ل. ل. هذا المبلغ هو أحد رسوم سير المركبات الآلية. الموظفون الحكوميون وقعوا في مأزق. كيف يطلبون من المواطن تسديد مبلغ ضخم، يصل إلى ملايين الليرات، في حين كان يجب ألا يتخطى بضعة آلاف؟ لكن ما العمل؟ القانون هو القانون، والنص واضح، وبالتالي إما أن تدفع أيها المواطن الآن، وإما عليك انتظار أن تجد الدولة حلاً لهذه الفضيحة.
بالتأكيد، الفضيحة، أو المسخرة، أو السرقة، هي العبارات التي سرت على ألسن الناس، علماً بأن الخطأ المطبعي أمر يحصل، في كل دول العالم، حتى في أوروبا والدول المتقدمة. لكن أن يحصل في قانون، أخذ ما أخذ من ضجة، وسنوات دراسة وتدقيق، وفي مسألة مالية فاقعة جداً، فعندها يصبح لكلمة الفضيحة ما يبررها على الألسن.
الموظفون المعنيون بشؤون السير راجعوا المسؤولين، وخلصوا أخيراً إلى قرار بعدم استيفاء الرسوم، في ظل القانون الجديد، إلى حين تصحيح الخطأ. خافوا على أنفسهم، على وظائفهم، إن هم اجتهدوا، فربما يصبحون في الغد من المخالفين للقانون. من يضمن لهم عدم معاقبتهم؟ لا أحد. حاول أحد المسؤولين الأمنيين طمأنتهم، وأخبرهم أن المسألة شكلية، بينما «الفحوى من القانون، ومن الرقم المحدد تحديداً، مفهومة ومعروفة للجميع، وبالتالي لماذا لا تسيّرون حركة المرفق العام وشؤون المواطنين مع مركباتهم؟». المسؤول الأمني، رغم كل المنطق في كلامه، لا يضمن تماماً، عدم تصويرهم كمخالفين للقانون. إذاً، النتيجة: لا حل.
وصلت هذه «الخبرية» إلى سمع حسين غندور، نقيب أصحاب مكاتب السوق، الكاره جداً لقانون السير الجديد، الذي يصفه بـ«غير العادل». وصله الكثير من شكاوى المواطنين، فما كان منه إلا أن نقلها إلى وزارة الداخلية.
لم تكن الأصفار الثلاثة هي المشكلة الوحيدة في قانون السير الجديد. فبالتزامن مع أزمة الخطأ المطبعي، ظهرت أزمة جديدة حملت عنوان «استيراد الدراجات النارية». القانون الجديد يحظر استيراد بعض أنواع الدراجات، وخاصة الصغيرة منها، على عكس الكثير من الدول. بالتأكيد، هذا النوع من الدراجات يستعمل، في أحيان كثيرة، في جرائم جنائية. بدت الدولة، بصفتها المصدرة للقانون الجديد، كأنها تعلن عن يأسها من معالجة ما يُرتكب باسم هذه الدراجات، فقرّرت منعها كلياً من الدخول إلى لبنان. طبعاً، في الدول المتقدمة، يعالجون السبب، أما في لبنان فالحكاية مختلفة. تخيلوا مثلاً لو يصدر، في الأيام المقبلة، قانون يمنع استيراد السكاكين بحجة أن البعض يرتكب جرائم القتل بواسطتها! وبعيداً عن جوهر الفكرة، وقع الموظفون الحكوميون مرة جديدة في حيرة. ففي اللحظة التي صدر فيها القانون الجديد، ودخل حيز التطبيق، كانت كميات كبيرة من الدراجات (المحظورة حديثاً) متوقفة في المرفأ، بانتظار تسلّمها من مستورديها ليسيّروها على الأراضي اللبنانية. ما العمل؟ هل يسلمون الدراجات لأصحابها، والنص الجديد يحظر ذلك، أو يمنعون دخولها ويعيدونها إلى الدول المصدّرة، وفي ذلك خسائر مالية ضخمة للمستوردين؟ إذاً، فلتنتظر الدراجات في مكانها إلى حين إيجاد حل. الموظفون، مرة أخرى، خائفون من مخالفة النص القانوني. المسؤول الأمني، إياه، كاد يرجوهم إدخال هذه الدراجات، التي «بحسب المنطق، والعرف، والبداهة، هي معفاة من نص القانون الجديد لكونها دخلت إلى لبنان، أو كانت في طريقها إليه، قبل صدور القانون، وبالتالي لا يجوز تحميل المستوردين ظلماً نتيجة هذا الإجراء». ومن جديد أيضاً، يفشل المسؤول الأمني في إقناع الموظفين المترددين.
مسألة أخرى احتار الموظفون في التعامل معها، وهي السيارات الدبلوماسية. هل يستوفون منها الرسوم أم لا؟ القانون الجديد لم يكن واضحاً هنا. غير أن ثمة من أحال القضية إلى المعاهدات الدولية، وهي، بحسب رأيهم، تتقدم على القانون المحلي. من هؤلاء رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النائب محمد قباني، الذي أكد أن السيارات الدبلوماسية «معفاة من الرسوم، ولا يحتاج الأمر إلى كل هذا اللغط».
في النهاية، كان القرار لوزير الداخلية مروان شربل، الذي أعلن، بعد جلسة لمجلس الوزراء، توقيف العمل بقانون السير الجديد. وبحسب شربل، فإن هذا القانون «متطور وممتاز، لكن نريد وقتاً لتطبيقه، ويجب أن يعطى 6 أشهر كحد أدنى للبدء بتطبيقه». بدا شربل متحمساً للشكاوى التي وصلته من المتضرّرين، وخصوصاً بعدما راحت تتكشف الثغَر في النصوص، الواحدة تلو الأخرى، ليعلن أنه «يجب فتح تحقيق في أي حادث، فإذا كان المواطن مخطئاً عليه أن يدفع ما عليه، وإذا كانت الدولة هي المخطئة بسبب غياب الإنارة أو وجود حفر في الطريق، فعليه أن يرفع دعوى على الدولة والوزارة المعنية». هذه الملاحظات، وسواها، لطالما رددها حسين غندور خلال السنوات الماضية، ولطالما شكا من تجاهله وتخطيه، بما يمثل نقابياً، وسواه أيضاً من النقابيين. بإمكان غندور اليوم أن يحتفل. لقد انتصر. أحد المسؤولين يقولها بمرارة: «نعم، للأسف لقد حصل على ما أراد، علماً بأنه لا يعرف شيئاً عن القانون ويريد أن يخالف الجميع فقط لكي يُلتفت إليه». يُذكر أن النائب قباني هو أحد الذين «انتصر» عليهم غندور، بعد مشاحنات وبيانات وبيانات مضادة، على مدى سنوات. لم يسمّ قباني غندور بالاسم، في توجهه إلى وزير الداخلية أخيراً، ولكن كان واضحاً من يقصد، إذ قال: «آمل من وزارة الداخلية التدقيق في بعض الشكاوى التي قد تكون عن نية حسنة، لكن ربما يكون بعضها الآخر من متضررين حاولوا، طوال السنوات التسع التي كنا نعمل فيها لإنجاز هذا القانون، الحرتقة على القانون».