عكار – رضوان يعقوب -جريدة اللواء:
بالأمس القريب جداً، تعرّض المربي حبيب عفيف الخوري (71 عاماً) من بلدة الشيخ محمد لحادث سير أودي بحياته خلال توجهه من دارته الى مدرسته التقنية التي انشأها إثر إحالته الى التقاعد لبلوغه السن القانونية، حيث صدمت سيارته حافلة نقل طلاب، وقبل ذلك بفترة فيما كان سمير عبيد من بلدة حلبا وهو أب أسرة في العقد الرابع من عمره، ينقل طلابا الى الجامعات اللبنانية إجتاحته سيارة هوجاء خلال تغييره ألإطار المثقوب في حافلته المتوسطة الحجم فقتل على الفور وجرح طالبين كانا يحاولان تأمين الطريق له اثناء تغيير الإطار.
هذه عينة قريبة العهد عن حوادث وقعت وتقع، والمسؤولية الكبيرة على من تقع، فإذا كان السائق ليس المسؤول لوحده عن الحوادث التي تقع إلاّ انه الاداة التي تحصل بها الحادثة وتُسقط الدماء وتُبكي العيون.
تتكرر المآسي والقتل المجاني في عكار الذي يحصد المئات كل عام من القتلى والجرحى والعاهات الجسدية التي تطال المواطنين العابرين وذلك جراء الكثير من العوامل التي تتضافر معاً لإنتاج تلك الفواجع والخسائر المادية والمعنوية والنفسية والتي تعيد «اللواء» طرحها لانها تقض مضاجع الناس وتقلق راحتهم وتعطل أعمالهم وتعيق تنقلهم، وأن كانت هذه العوامل التي تفاقم ألأزمة متفرّقة في المناطق ويرتبط البعض منها بالسرعة أو الطرقات أو المخالفات المرورية لكنها تجتمع كلها في عكار لتعيد الى الأذهان تلك الكلمات الكبيرة التي كتبت على لوحة سير غريبة السبك والمحتوى، والتي كانت «اللواء» إعترضت عليها منذ سنوات ولاقت التلبية سريعة من الجهات المعنية وإزيلت خلال أقل من إسبوع على الإضاءة على الموضوع، وهذه اللوحة التي وضعت على جانب طريق عام مستديرة العبدة كتب عليها «إنتبه لا تسرع أخطار متنوعة». أن «الحمية والغيرة المحلية» التي حصلت جراء تلك العبارة التي لم تكتب في أي من الإشارات الرسمية وربما غير الرسمية، تراجعت الحمية والغيرة بعد أيام معدودات مع تزايد عمليات القتل خلال حوادث السير ومن أسباب كثرة الحوادث: القيادة الخطيرة والطرقات السيئة والتحفير «الرسمي» لإجراء التصليحات والصيانة والإنشاءات الجديدة دون تامين البديل وعدم السرعة في التنفيذ الذي يبقى لأكثر من شهر في الغالب. فما نفع الكلام الذي تقوله الهيئات المعنية عملياً والتي لا تقترن بالمسؤولية المشتركة بين المواطن المهتم والدولة القادرة والبنية المؤهلة وهذه مفقودة الى حد بعيد في عكار. منذ اسابيع وفي فصل الشتاء وعلى أبواب مواسم الأعياد المجيدة وفي ظروف أمنية غير مستقرة وإنفلات في حبل الضبط للسيارات والدراجات النارية التي خرجت من عقالها تأتي عبقرية التحفير، وتتكرر كل عام بالظروف والحيثيات ذاتها وفي عكار المحرومة دون أدنى أي إعتبار للمواطن العابر فلا محرمات في «نبش الطريق - أي طريق» فلا إشارت أو تحذيرات ولا أي من الإعتبار للكرامة الإنسانية العكارية فكل شيء مباح لأي متعهد أو مواطن يحفر أين ما يشاء وكيفما يشاء «والأعمار بيد الله تعالى» والاتكال على رب العالمين ونعمَ الوكيل، لكن «إعقل وتوكل» كما يقول الحديث النبوي الشريف. إن الحوادث المتكررة والتحفير الواضح المعالم تدرّجاً وتعطيلاً لأعمال ألوف المحلات التجارية التي تقع في نطاقها، تحفير وتأهيل طريق عام حلبا – العبدة بطول حوالى 10 كيلومترات تطول والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو حول الغاية من التحفير للتأهيل مع «عز فصل الشتاء» ومواسم الأمطار المستمرة منذ ما قبل ومع وبعد التحفير؟ ولماذا تجري اسابيع واسابيع دون تنفيذ سريع، لا شك بأنها مشاريع تأهيل مهمة وضرورية ومطلوبة ولكن ثمنها أكبر من فائدتها مع إستمرارها بهذا التوقيت والتأخير.
أن مؤسسة اليازا نظمت منذ مدّة محاضرات في عكار عن حوادث السير في المنطقة وأكدت على أهمية المعرفة وعلى التوعية والوقاية من جميع أنواع الحوادث، وبدعوة من جمعية إبداع ونجاح ألقى جوزيف نشار من اليازا محاضرتين في بلدة المقيطع، قعبرين، كفرملكه، الرمول، تل حياة في عكار بحضور رئيس البلدية خالد خالد، وأمين الصندوق علي طه لأكثر من 100 شاب وشابة حول حوادث السير والوقاية منها والفارق الكبير بين سيارة السباق والسيارة العاديّة. وتناول موضوع السباقات والأمان في رياضة السيارات وقدّم شرحاً مفصلاً عن واقع السير في لبنان وإحصاءات عامة، بالإضافة إلى إرشادات لتلافي الحوادث وكيفية الوقاية منها وأهمية استخدام حزام الأمان في جميع مقاعد السيارة، الخوذة الواقية على الدراجات النارية بالإضافة إلى مخاطر السرعة والكحول والتعب والأرهاق واستعمال الهاتف الخليوي أثناء القيادة. كما شدد على ضرورة التقيّد بقانون السير للحفاظ على السلامة، وأهمية الخضوع للإمتحان للحصول على رخصة القيادة، شارحاً عن العقوبات الجديدة في قانون السير المقترح. تلا ذلك توزيع العديد من نشرات ومنشورات اليازا.
وعددت نشرة لـ «اليازا» جانب من حوادث السير، ومنها كما ذكرت «اللواء»، حادث المربي حبيب خوري قضى في حادث سير مروّع بين سيارة مرسيدس يقودها وسيارة «فان» لنقل البضائع عند مفترق بلدة الشيخ محمد. والى ارتفاع عدد ضحايا حوادث السير بلبنان بشكل جنوني.. والدعوة الى قانون صارم للحد منها. وفي الاسبوع نفسه فُجعت عائلة بوفاة طفلة وخالتها وجرح أمها بعد أن انحرفت بهم السيارة على طريق في عاليه وارتطمت بعامود. ومنذ أيام اصطدمت سيارة شابة في ريعان العمر بعامود على طريق السعدية في رياق ما أدى الى مصرعها على الفور. وفي صيدا سيارة تدهس مواطنة، وعلى طريق المصنع حافلة تنقلب بركابها فتجرح 19 راكبا، فيما قُتلت مواطنة وجُرح زوجها على طريق ملتقى النهرين. حتى القوات الدولية لم تسلم من تلك الضحايا حتى اسقطت حوادث السير 4 جرحى من القوات الماليزية فيما جرحاها على مدى عام يصل الى العشرات. هي إذا أرقام مخيفة تشير إليها «اليازا» تُخلفها حوادث السير في لبنان إذ لا يمر يوم واحد دون أن تحصد هذه الحوادث مزيدا من الأرواح وترمي الكثير من الجرحى على أسرّة المستشفيات، حتى أشارت الاحصائيات الى ان المعدل اليومي لقتلى هذه الحوادث هو 3 قتلى أي ما يفوق الألف قتيل سنويا. فيما أشار وزير الداخلية السابق زياد بارود الى ان عدد القتلى على الطرقات أضعاف قتلى الأحداث الجنائية.
يُرجع أمين سر جمعية اليازا كامل إبراهيم أسباب هذه الحوادث الى تقصير الدولة والمواطن على حد سواء في تأمين سلامة القيادة. ويرى إبراهيم ضرورة أن تؤمّن الدولة الطرقات السليمة وأن تنير الطرقات، إذ ان معظم الطرقات الرئيسية تفتقد الحد الأدنى من الإنارة. أمر يستطيع المواطن كما السائح أن يتلمّساه اثناء مرورهما على طريق المطار ليلا الذي يعاني في غالبية الأحيان من انقطاع التيار الكهربائي، مما يترك تساؤلا حول دولة يعتمد اقتصادها على القطاع السياحي؟! كما يرى إبراهيم ضرورة تأهيل الطرقات الدولية لأنها تسجل أكبر عدد من الحوادث «طريق بيروت - دمشق، الطريق الساحلي من الناقورة جنوبا وصولا الى العبدة شمالاً». أما مسؤولية المواطن فتكمن في وجوب التقيّد بقوانين وأنظمة السير، وتفهّم امكانات الدولة الضعيفة لمحاولة التكيّف مع الوضع وعدم السرعة والاستهتار بحياته وحياة الآخرين ومن ثم رمي المسؤولية على عاتق الدولة. فالأرقام تسجل ان النسبة الأكبر من الحوادث تقع بين الشباب نتيجة تهوّرهم في القيادة في معرض اثبات الذات أو التباهي أمام الاصدقاء أو «الحبيبات»، فيتم تجاوز السرعة القصوى المسموح بها وتكون النتيجة مقتل الشاب ورفيقته سواء الزوجة أو الحبيبة أو الخطيبة. يُذكر ان مجلس النواب أقرّ في جلسته الأخيرة مشروع قانون السير الجديد الذي يتضمن وجوب تأسيس مدارس مهنية تخرّج خبير السير بشهادة امتياز فني TS بعد ثلاث سنوات من الدراسة، ويفرض مدربين لتعليم القيادة، إضافة الى التأمين الإلزامي عن الأضرار المادية والجسدية، وانشاء وحدة مرور متخصصة في السير في قوى الأمن الداخلي مهمتها متابعة مرور السير وتوفير العديد الضروري لها. إن أزمة السير التي حصدت في لبنان أرقاماً قياسية من القتلى والجرحى قي حوادث السير الى الرادارات ومحاضر الضبط التي فاقت الـ 600 ألف محضر ضبط سرعة، ما يشير الى انعدام الوعي بشكل عام لدى سائقي السيارات. { وتحدث ممثل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الرائد مصطفى الأيوبي بأن أزمة السير في لبنان أصبحت الهاجس الوحيد لدى المواطنين اثناء تنقلاتهم اليومية لما ينتج عنها من هدر الوقت والارهاق الجسدي والمادي والمعنوي، مشيراً الى نتائج الاحصاءات التي تبيّن ان 70% من حوادث السير في لبنان ناتجة عن السرعة الزائدة إضافة الى استعمال الهاتف الخليوي أثناء القيادة أو تناول الكحول والأدوية المهدئة والتي من شأنها التسبب بفقدان التركيز لدى السائق، لذلك فان قيام قوى الأمن الداخلي بالتشدد في تطبيق قوانين السير ليس بهدف الحصول على مدخول مادي جراء دفع الغرامات بل بهدف ردع المواطن عن ارتكاب المخالفات التي تؤدي الى الضرر بهم وبالمجتمع.
{ بدوره رئيس محكمة السير في الشمال القاضي محمد صعب قال: ان طريقة ضبط المخالفة سابقاً كانت تتم لحظة وقوع المخالفة، من هنا كان اهتمام المواطن بها، أما اليوم فبات الأمر مختلفاً عن طريق «الرادار» فإذا بالمواطن يتفاجأ بعد فترة طويلة بمحضر الضبط بحقه، فإذاً طريقة ضبط المخالفة إضافة الى الامكانيات المادية المتمثلة بالمعدات والرادارات الجديدة والعدد الإضافي أعطى ثماره، فضلاً الى المشاهد الحزينة والتي شاهدها المواطن وبفترات وجيزة حول حوادث السير المميتة على الاوتوسترادات، وكم كنا نتمنى عدم حدوثها الا أنها في الوقت عينه انعكست إيجاباً على سلوك المواطنين خلال قيادتهم لسياراتهم. وأضاف: إن محاضر الضبط هي جزء من الثقافة التي يجب أن تخلق عند الجميع صغاراً وكباراً بأن محضر الضبط هو نوع من أنواع الحماية للمواطنين تماماً كما فرض «حزام الأمان»، وهذا جزء من الثقافة التي نسعى الى نشرها عن طريق الندوات التي ننظمها بالتعاون مع الجمعيات الأهلية. كما أن هناك نقطة في غاية الأهمية أود الإشارة إليها وهي ان قانون السير مهم ليس لأنني رئيس محكمة السير بل لأنه ينقل الصورة الحضارية في البلد وهو يستعرض كل القوانين الموجودة فيه، وأي انسان يستطيع أن يكوّن الفكرة عن البلد بمجرد تنقلاته على الطرقات، فقانون السير يخاطب الجميع من سائقين ومارة في الطرقات. فإذا كنا كمواطنين لبنانيين نخشى على حياتنا وحياة أقربائنا وأصدقائنا لا بد لنا من الحفاظ على قوانين السير الموجودة في البلد وبهذه الطريقة نكون قد اعتدنا على طرق معينة من النظام وهذا بالفعل ما نسعى الى التأكيد عليه وان كان عن طريق العقوبات المفروضة على المواطنين. نحن نسعى الى ترغيب المواطن بالالتزام بقوانين السير عن طريق اقناعه بضرورة تحقيق المصلحة الذاتية لنفسه أولاً وأخيراً. وتشكك قناعة في النهاية بأن الثقافة المرورية عند المواطن عامة تحتاج الى الكثير من المراجعة والمتابعة من الجهات المعنية، وبالتشديد على بعض النقاط كتلك المتعلقة بالرادار والمعاينة والدراجات الهوائية التي أخذت تسرح وتمرح أكثر من أي وقت آخر، إضافة الى الكثير من المخالفات التي تحصل في حياتهم اليومية والتي تزيد من أزمة السير وتعرقل تحركاتهم كمخالفات الركن وكثرة الحفر على الطرقات ومنها بأيدي رسمية ناهيك بالخاصة، كما يحصل تكراراً كل عام مع بداية فصل الأمطار.