الرادارات" فضيحة أم بداية؟
أذهلتني الإحصاءات التي توردها قوى الأمن الداخلي عن عدد المخالفات منذ أن بدأ تشغيل الرادارات المتحركة لردع زيادة سرعة السيارات، إذ بلغت زهاء ستة آلاف محضر مخالفة "فقط" في اليومين الأولين من الأسبوع. فما معنى ذلك؟
معناه أننا شعب لا يقيم وزناً لحياته أو للقانون أو للنظام، وان علينا الاعتراف بذلك في الدرجة الأولى، قبل أن نلوم أي جهة أخرى. لم تكن هذه الحقيقة في حاجة إلى رادارات لكشفها، ما دام معدل ضحايا حوادث السير في لبنان يسجل أرقاماً قياسية مخيفة يقارب معها سنوياً الالف قتيل. أليس سقوط مثل هذا العدد في بلد صغير كلبنان أشبه بضحايا حرب أهلية؟ إذاً هذه فضيحة شعب يفتقر اولاً إلى ثقافة الحياة، ومن ثم إلى ثقافة القانون والنظام، ولنكف تالياً عن التباهي بحضارتنا وعلمنا وانفتاحنا ريثما نعود إلى مصاف الشعوب التي تدرك قيمة الحياة والنظام والقانون.
ومعنى ذلك، من ناحية أخرى، أننا شعب نفتقر إلى دولة وسلطة رادعة وحازمة، تعرف كيف تطبق القانون وتحمي أبناءها وتعيد إلى لبنان صورة الوطن الحضاري، بدءاً بالتزام القوانين في الشارع، وفرض احترامها على الجميع. فإذا كانت مجرد خطوة بنشر رادارات، قد أدت في يومين، إلى بداية إشاعة "روح القانون" فالسؤال هو أين كانت الدولة والحكومة والسلطة منذ 21 عاماً، لئلا نقول قبل ذلك، مادام عمر الدولة عندنا يحتسب من اتفاق الطائف؟
ومعنى ذلك ايضاً، وهنا الأهم، أن أول من علّم الناس وحرضهم ودعاهم إلى العصيان على القانون والنظام والدولة هم السياسيون والأحزاب والقوى السياسية والزعماء من دون منازع. ففي بلد تتباهى جهات بامتلاكها قوة مسلحة تفوق قدرة الدولة بعشرات الأضعاف، وتتباهى جهات أخرى بمنطق ميليشيوي، وتستقوي جهات ثالثة على كل نزعة حقيقية للإصلاح، ويجد المخالفون، وحتى المجرمون، من يحميهم ويكسر أحكام القضاء، وفي بلد لا يعرف مواطنوه استقرارً وأمناً وطمأنينة، مع تهديدهم كل حين بحرب أو فتنة... كل ذلك يجعل السياسيين في رأس لائحة منتهكي القانون والنظام، ويحرّض الناس على الموت انتحاراً بقيادة جنونية والاستهانة بالقانون وبأبسط القواعد الطبيعية للمحافظة على حياتهم وحضارتهم.
نقول ذلك، ونحن نخشى مسبقاً أن تكون "الرادارات" مجرد موجة عابرة سرعان ما تتلاشى عند أول هبة سياسية أو أمنية أو حتى من دون رياح، لان من "شبّ على شيء شاب عليه"، وليس من قانون يطبقّ ما لم يجد من يسهر على تنفيذه بحزم واستمرار مهما يكن الثمن.
فهل نجد مثلاً غداً في لائحة المخالفات أسماء زعماء وسياسيين و"كبار القوم" لكي نقول أصبح عندنا دولة تجرؤ، على الأقل، على حجز من يخالف القانون مهما علا كعبه؟!
الكاتب نايلة تويني
المصدر النهار
التاريخ 11/11/2010