دخل قانون السير الجديد شهره الثالث، مما لا شك فيه انّ عدد حوادث السير انخفض وان كان بشكل متفاوت بين المناطق، ولكن يأتي ذلك وسط غياب تام لأسس علمية وعملية يتم على اساسها تقييم العمل، ورسم خطة استمرارية شاملة تضمن بقاء القانون قيد التنفيذ، عندما تنتهي "الهمروجة" الاعلامية التي رافقت مراحل تطبيقه، فهل تراخت حملة تطبيق قانون السير الجديد؟
يكاد لا يخلو يوم واحد من تقرير أمني يفيد بوقوع حوادث سير في مختلف المناطق اللبنانية، وأحياناً يتم تسجيل ضحايا من القتلى والجرحى، وغالباً ما يكونون من فئة الشباب، اضافة الى المشاة. يترافق ذلك مع التخوف من احتمالية التراخي في قانون السير مع مرور شهر اضافي، وخصوصاً بعد انتهاء الحملات التوعوية التي زادت الوعي عند المواطنين اضافة الى التخوف من الغرامات المالية المرتفعة، والتي زادت نسبة وضع حزام الامان لدى السائقين من 15 الى 84% كما تفيد الاحصائيات الاخيرة. وهنا نسأل عن دور الوزارات المعنية في التعاون في ما بينها لتطبيق القانون بشكل فعال للحد من الضحايا، وأين هي مشاريع صيانة الطرق وبناء الجسور، اضافة الى وضع الشبك على الطرقات، ونسأل ايضاً عن خطة عمل واضحة في مجال السلامة المرورية.
ما حصل طرح بالنسبة الى المواطنين ايضاً اسئلة كثيرة، فاعتبر كُثر انّه مع تراجع الحملة في الاعلام انّ القانون لا يطبق في شكل جدي، وخصوصاً انّه قُسم الى مراحل. ويعود ذلك الى مشكلة اساسية تتمثل بغياب الخطة الفعلية والمدروسة، وذلك في محاولة لضرورة الوقوف على القدرات والامكانات الموضوعة في خدمة المعنيين من أجل تطبيق سليم للقانون، والتي يجب ان تكون معلومة كخطة سير عمل يتجاوز الستة اشهر اقلّه. يُضاف الى السبب في تراخي التطبيق، تفاوت التطبيق بين منطقة واُخرى، فيمكن ان نلحظ نتائج مبهرة وايجابية في منطقة ما، بينما في مناطق اخرى فالوضع أسوأ ما قد يكون، وهذا ما شهدناه بحيث تشير التقارير الى نتائج جيدة في بيروت وجبل لبنان أكثر من المناطق الاخرى. ونعزو في "اليازا" بدورنا هذه الاسباب الى غياب الاشخاص المتخصصين الذي يعرفون حتماً كيف يُدار هذا الملف، وذلك لكي يكون تطبيق القانون مبنياً على تحليل قواعد البيانات ورسم خطة على اساسها ثم تقييم العمل، وهو ما نفتقده لغاية الساعة. لذلك فالحل لا يكون فقط بتطبيق القانون، بل بوضع خطة وطنية شاملة تعتمد على ضرورة توفر قرار سياسي وتمويل واختصاصيين. فيما يبقى المدخل الى الحل الرئيسي، تشكيل المجلس الوطني للسلامة المرورية وتعيين أمين السر وتشكيل فريق عمله، ودون ذلك لن يكون هناك قانون سير فعلي وعملي.
واذا كانت السلامة المرورية العامة وحسب خطة الامم المتحدة للحد من حوادث السير، والتي وُضعت لتطبق من العام 2011 الى العام 2020، تقوم على عدة محاور، فانّه في لبنان يتم تطبيق محور واحد وهو قانون السير الجديد، ما يعني النقص في نظام النقاط ولم تُطبق بعد مشاريع صيانة الطرقات وتشكيل المجلس الوطني للسلامة المرورية.
لتطبيق المادة 414 من قانون السير
مع بداية تطبيق قانون السير على المواطنين في 22 نيسان 2015، ومع التجارب المريرية في تطبيق قانون السير بشكل متقطع في السنوات الماضية وفي حملات محدودة اعطت نتائج متواضعة، اضافة الى تكرار اليازا مطالبتها للمواطنين بالالتزام بالقانون. وفي اطار مطالبة الوزارات المعنية بالقيام بدورها بتطبيق القانون وتنفيذ واجباتها حسب قانون السير الجديد، ومن خلال تنظيمنا ومتابعتنا وتحليلنا للكثير من الحملات الهادفة الى الحد من حوادث السير في لبنان. ومع قناعتنا ان المادة 414 من قانون السير الجديد هي من أبرز المواد ضمن هذا القانون والتي يعتبر تطبيقها الحجر الاساس في نجاح هذا القانون في الحد من حوادث السير في لبنان والكوارث الناتجة عنها، بناء على ما تقدم تطالب اليازا وزارة الداخلية والبلديات والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي باصدار ما يلزم لتطبيق المادة 414 من قانون السير الجديد وذلك بهدف العمل الجاد لتطبيق هذا القانون بما فيه خير المجتمع اللبناني.
المادة 414
تنشأ في قوى الأمن الداخلي وحدة للمرور، تُعنى بشؤون ضابطة السير وتأمين السلامة العامة وتنظيم حركة المرور وتطبيق قانون السير على الطرقات العامة.تحدّد هيكليتها ومهامها وصلاحياتها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية والبلديات بعد استطلاع رأي مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي. كما تطالب اليازا الحكومة اللبنانية باطلاق العمل الجاد لسلامة السير في لبنان وذلك عبر انشاء المجلس الوطني للسلامة المرورية وفقاً لقانون السير الجديد وذلك للحد من التقاذف المزمن للكثير من المسؤوليات والواجبات بين الوزارات والادارات المعنية بسلامة السير.
معلومة
مع بدء تطبيق قانون السير ومنذ مرحلته الاولى في 22 نيسان المنصرم، خفت نسبة حوادث السير بشكل ملحوظ، كما تراجعت نسبة السرعة الزائدة. ويعود ذلك الى خوف المواطن من الغرامات المالية المرتفعة والعقوبات المفروضة على المخالفات، اضافة الى التغطية الاعلامية الواسعة التي ترافقت مع المرحلة الاولى. ولكن اليوم مع الوقت، عادت حوادث السير الى الارتفاع، وبات المواطن لا يتقيد بالقانون بخاصة في المناطق البعيدة عن بيروت مثل محافظات البقاع وعكار، ويعود السبب في ذلك الى غياب حواجز مكثفة لقوى الامن.
يا ريت ما بغمض عيوني
"يا ريت ما بغمض عيوني: بس موت رح نام كتير".. عبارة كتبها الشاب انطوني قميح كأمنية له، وهو الذي لطالما عشق الحياة. ولكن روح انطوني (18 عاماً)انتقلت الى بارئها يوم السبت المنصرم، جراء حادث سير مروع على مستديرة زحلة ما ادى إلى وفاته واصابة صديقه شربل الحاج بجروح. وانطوني كان يحتفل بشهادة تخرجه من مدرسة الانطونية بتفوق في زحلة قبل ساعات من وفاته، وهو الشاب المتفوق في المواد العلمية، وينقل عنه اصدقاؤه بأنه كان يحل مسائل صعبة جداً وكان طموحه كبيرا جداً. ولم يكن الوداع الاخير لانطوني عادياً، بل زُف عريساً الى السماء في كنيسة مار جرجس في الحوش – زحلة، فبقي فيها وردة بيضاء، تاركاً وراءه رسالة الى كل ابناء جيله "سوقوا عمهلكن".